السكري من النوع الثاني: دليل شامل لفهم المرض واتباع طرق الوقاية الصحيحة
![]() |
اسباب السكري |
في زمنٍ يتزايد فيه انتشار داء السكري من النوع الثاني بوتيرة سريعة، يبحث الكثيرون عن حلول فعّالة تحميهم من هذا الخطر الصامت. الخبر الجيد أن الإصابة به ليست حتمية، بل يمكن تجنّبها عبر خطوات بسيطة لكنها مؤثرة. إن تبنّي طرق الوقاية من السكري مثل النشاط البدني المنتظم، والغذاء المتوازن، وفقدان الوزن الزائد، يوفر درعًا واقيًا يحافظ على صحة الجسم ويمنع المضاعفات. ومع ازدياد الوعي الصحي عالميًا، أصبح الاهتمام بطرق الوقاية من السكري أكثر من مجرد خيار، بل ضرورة لكل شخص يسعى لحياة طويلة ونشيطة بعيدًا عن الأمراض المزمنة.
أعراض مرض السكري من النوع الثاني
قد يتجلى داء السكري من النوع الثاني في مجموعة من العلامات التي تُنذر بوجود خلل داخلي في الجسم.
فمن أبرز هذه الأعراض ارتفاع نسبة الجلوكوز في الدم بشكل يفوق الحدود الطبيعية، وهو المؤشر الأوضح على وجود خلل في التوازن الأيضي. وإلى جانب ذلك، يعاني بعض المرضى من مشكلات في الدورة الدموية، ما قد يظهر في صورة تنميل في الأطراف أو بطء في التئام الجروح.
كما يمكن أن تمتد الآثار إلى الجهاز العصبي، مُحدثةً اضطرابات في الإحساس أو ضعفًا في الاستجابة العصبية، فضلًا عن تأثير المرض على الجهاز المناعي الذي يصبح أقل قدرة على مقاومة العدوى، فتزداد احتمالية الإصابة بالالتهابات المتكررة.
أسباب مرض السكري من النوع الثاني
- مقاومة الأنسولين
- إجهاد البنكرياس
عوامل تزيد من خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني
يُعتبر داء السكري من النوع الثاني من الأمراض المزمنة التي تتأثر بعدة عوامل مترابطة. ومعرفة هذه العوامل لا يساعد فقط في فهم المرض، بل يساهم أيضًا في اتخاذ خطوات وقائية تقلل من احتمالية الإصابة.
- أولًا: العامل الوراثي
هل يمكن أن تنتقل القابلية للإصابة بالسكري من جيل إلى آخر؟ بالفعل، تشير الدراسات إلى أن وجود أحد الأقارب من الدرجة الأولى (مثل الأب أو الأم) مصابًا بالسكري يزيد من احتمال إصابة الفرد بشكل ملحوظ. وكأن الجينات هنا تحمل رسالة خفية تجعل الجسم أكثر عرضة لاضطراب توازن السكر.
- ثانيًا: السمنة وتوزيع الدهون
السمنة، ولا سيما تراكم الدهون في منطقة البطن، تُعد من أبرز المؤشرات المقلقة. فَكِّر في الأمر كعائق يضعف استجابة الخلايا لهرمون الأنسولين، مما يرفع مستوى السكر في الدم. على سبيل المثال، شخص يزن أكثر من المعدل المثالي بزيادة ملحوظة في محيط الخصر يكون أكثر عرضة مقارنة بآخر يتمتع بوزن صحي.
- ثالثًا: نمط الحياة غير الصحي
قلة الحركة وتناول أطعمة غنية بالدهون المشبعة والسكريات يفتحان الطريق أمام السكري. فالنشاط البدني أشبه بمفتاح يُعيد تنشيط الجسم، في حين أن الإكثار من الوجبات السريعة والمشروبات الغازية يعمل كوقود يضاعف الخطر.
- رابعًا: التقدم في العمر
مع مرور السنوات، وتحديدًا بعد بلوغ سن 45، تزداد احتمالية الإصابة. ذلك لأن كفاءة الجسم في التعامل مع الجلوكوز تبدأ في الانخفاض تدريجيًا، حتى عند الأشخاص الذين لم يسبق لهم أن عانوا من مشاكل صحية كبيرة.
- خامسًا: مرحلة ما قبل السكري
هذه المرحلة تشبه جرس إنذار مبكر؛ حيث يكون مستوى السكر في الدم أعلى من الطبيعي، لكنه لا يصل بعد إلى مستوى التشخيص بالسكري. تجاهل هذه المرحلة قد يقود إلى تطور المرض خلال سنوات قليلة.
- سادسًا: عوامل إضافية
إلى جانب ما سبق، هناك عوامل أخرى ترفع من الخطر، مثل:
الإصابة السابقة بـ سكري الحمل.
المعاناة من ارتفاع ضغط الدم.
وجود تاريخ مرضي مع أمراض القلب أو السكتة الدماغية.
الإصابة بمتلازمة تكيس المبايض لدى النساء.
وحتى الحالات النفسية مثل الاكتئاب التي قد تؤثر على الهرمونات والسلوكيات الصحية.
الوقاية من مرض السكري من النوع الثاني
يُعتبر السكري من النوع الثاني أحد أكثر الأمراض المزمنة شيوعًا في العالم، غير أن الوقاية منه ممكنة إلى حد كبير إذا التزم الفرد بتغييرات مدروسة في أسلوب حياته. فالأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن، أو لديهم مستويات مرتفعة من الكوليسترول، أو تاريخ عائلي مع المرض، يُعتبرون الأكثر عرضة للإصابة. فكيف يمكن تقليل هذا الخطر؟
فقدان الوزن: خطوة أساسية نحو الحماية
من المعروف أن إنقاص الوزن ينعكس مباشرة على خفض احتمالية الإصابة بالسكري. على سبيل المثال، أظهرت دراسة واسعة أن المشاركين الذين فقدوا حوالي 7% من أوزانهم انخفض لديهم خطر الإصابة بالمرض بنسبة 60%. ولهذا توصي الجمعية الأمريكية للسكري بوضع هدف أولي يتمثل في تقليل الوزن بنسبة تتراوح بين 7 و10%. لتحقيق ذلك، يمكن اتباع خطوات تدريجية مثل خسارة رطل واحد إلى رطلين أسبوعيًا بدل السعي وراء نتائج سريعة وغير واقعية.
النشاط البدني: السلاح الفعّال ضد الخمول
الحركة اليومية تُعد من أكثر الوسائل فاعلية في تعزيز حساسية الجسم للأنسولين. فمن جهة، يُنصح بممارسة التمارين الهوائية كالمشي السريع، والسباحة، وركوب الدراجة، أو الركض لمدة نصف ساعة يوميًا بما يعادل 150 دقيقة أسبوعيًا. ومن جهة أخرى، تلعب تمرينات المقاومة مثل رفع الأثقال أو ممارسة اليوجا دورًا مهمًا في بناء العضلات، ويُفضل أداؤها مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعيًا. وحتى أبسط العادات، مثل النهوض والتحرك كل نصف ساعة، تساهم في تقليل الآثار السلبية للجلوس الطويل.
النظام الغذائي: حجر الأساس للوقاية
لا يقتصر دور التغذية على تزويد الجسم بالطاقة فحسب، بل يمتد ليصبح خط الدفاع الأول ضد السكري. الأطعمة الغنية بالألياف مثل الخضروات الورقية، والبروكلي، والقرنبيط، والبقوليات (العدس، والفول، والبازلاء)، إضافة إلى الحبوب الكاملة (الأرز البني، والشوفان، والكينوا) تساعد على ضبط مستويات السكر في الدم، وخفض الكوليسترول، وزيادة الشعور بالشبع، مما يسهل التحكم في الوزن. في المقابل، من الأفضل تجنّب الكربوهيدرات المكررة الموجودة في الخبز الأبيض والمعكرونة التقليدية والمعجنات، وكذلك الحد من العصائر الصناعية والأطعمة المعالَجة.
الدهون الصحية: توازن مطلوب
من الخطأ الاعتقاد بأن جميع أنواع الدهون ضارة. على العكس، يُوصى بالتركيز على الدهون غير المشبعة مثل تلك الموجودة في زيت الزيتون وزيت دوار الشمس وزيت الكانولا، وكذلك المكسرات والبذور (كاللوز وبذور الكتان واليقطين)، والأسماك الدهنية مثل السلمون والتونة والسردين. وفي الوقت ذاته، يجب تقليل استهلاك الدهون المشبعة المتواجدة في اللحوم الدهنية ومنتجات الألبان كاملة الدسم، واستبدالها بخيارات قليلة الدسم.
الحميات المبتدعة: فخ قصير المدى
قد ينجذب البعض إلى أنظمة غذائية شائعة مثل "الكيتو" أو "الباليو"، ظنًا بأنها الحل الأمثل. ورغم أنها قد تساهم في خفض الوزن مؤقتًا، إلا أنها لم تُثبت فعاليتها في الوقاية من السكري على المدى الطويل. البديل الأفضل هو اعتماد أسلوب غذائي متوازن ومستدام، مثل تقسيم الطبق بطريقة بسيطة: نصفه فواكه وخضروات غير نشوية، وربع للحبوب الكاملة، والربع الأخير لمصادر البروتين كالبقوليات أو الأسماك أو اللحوم قليلة الدهن.
علاج مرض السكري من النوع الثاني
يُعد مرض السكري من النوع الثاني من أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا في العصر الحديث، ومع ذلك فإن التحكم فيه ممكن عبر اتباع أسلوب حياة صحي، واستخدام العلاجات المناسبة التي يحددها الطبيب. فما هي أبرز الوسائل المتاحة لإدارته؟
أولًا: النظام الغذائي المتوازن
الغذاء هو حجر الأساس في رحلة السيطرة على السكري. فعلى سبيل المثال، يمكن للشخص أن يستبدل وجبة غنية بالدهون المشبعة بصدور الدجاج المشوية أو سمك السلمون، ليحصل على بروتين صحي دون أن يرفع مستوى الدهون الضارة في دمه.
تقليل السعرات الحرارية يساعد على خفض الوزن، وهو ما يُحسن من حساسية الجسم للأنسولين.
الكربوهيدرات المعقدة مثل البطاطا الحلوة أو الحبوب الكاملة توفر طاقة بطيئة الامتصاص، مما يحافظ على استقرار مستوى السكر.
الدهون الصحية الموجودة في المكسرات أو زيت الزيتون تدعم صحة القلب وتقلل من الالتهابات.
ولا ننسى الخضروات غير النشوية مثل البروكلي والخيار التي تمنح الجسم الألياف والفيتامينات دون رفع السكر.
ثانيًا: النشاط البدني المنتظم
هل تعلم أن 30 دقيقة من المشي السريع يوميًا يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا في مستوى السكر؟ التمارين الرياضية لا تحرق السعرات فقط، بل تعزز أيضًا حساسية الخلايا للأنسولين.
يُوصى بممارسة ما لا يقل عن 150 دقيقة من النشاط البدني المعتدل أسبوعيًا، مثل ركوب الدراجة أو السباحة.
الفوائد متعددة: ضبط ضغط الدم، تحسين الدورة الدموية، تقليل التوتر النفسي، إضافةً إلى فقدان الوزن الزائد.
ثالثًا: الأدوية المنظمة لمستوى السكر
رغم أن الغذاء والرياضة هما خط الدفاع الأول، فإن بعض الحالات تحتاج إلى أدوية لضبط مستويات السكر. ويحدد الطبيب العلاج الأنسب تبعًا لحالة المريض.
الميتفورمين (Metformin): غالبًا ما يكون الخيار الأول، حيث يعزز استجابة الجسم للأنسولين.
الأنسولين الصناعي: يُستخدم عند الحاجة، مع تحديد النوع والجرعة بدقة من قِبل الطبيب.
السلفونيل يوريا مثل "غليميبيريد" و"غليبيزيد" التي تحفز البنكرياس لإفراز المزيد من الأنسولين.
الميجليتينيد مثل "ريباغلينيد"، وهي أدوية سريعة المفعول لكنها قصيرة الأمد.
الثيازوليدينديون التي ترفع من حساسية الخلايا للأنسولين.
مثبطات DPP-4 مثل "سيتاغليبتين"، ورغم أن فعاليتها محدودة، إلا أنها تُستخدم أحيانًا كخيار مساعد.
ناهضات GLP-1، غالبًا تحقن، وتعمل على إبطاء الهضم وتقليل مستوى السكر بعد الوجبات.
رابعًا: جراحة السمنة
في الحالات التي يعاني فيها المريض من سمنة مفرطة (مؤشر كتلة الجسم 35 أو أكثر)، قد يلجأ الأطباء إلى خيار جراحة السمنة. هذا الإجراء يمكن أن يحسن بشكل ملحوظ من التحكم في مستويات السكر، خاصةً عندما لا تُجدي الحمية أو الرياضة.
لكن لا بد من الانتباه إلى بعض المخاطر المحتملة مثل سوء امتصاص العناصر الغذائية أو زيادة احتمالية الإصابة بهشاشة العظام، وهو ما يستدعي متابعة دقيقة بعد العملية.